[size=16]دلت الأدلة القطعية من الكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين وأقوال أئمتهم على أن المتعة كانت مشروعة في صدر الإسلام ومباحة بنص القرآن، وأن كثيراً من الصحابة الكرام فعلوها في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمره وإذنه وترخيصه، كما فعلوها بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، اختلفوا في نسخها، فمنهم من يقول إنها نسخت بالسنّة، مع أن السنة من أخبار الآحاد لا ينسخ الحكم الثابت بنص من القرآن، فكيف ينسخ ما هو ظني الصدور، وهو الخبر الواحد، لما هو قطعي الصدور، وهو القرآن الكريم، وتارة يقولون بأن آية المتعة نسخت بآية أخرى، وهذا الاختلاف دليل على عدم نسخها، وأنها ثابتة ومباحة الى يوم القيامة، كإباحة الزواج الدائم وملك اليمين،
«حلال محمد حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة».
ومما شنع على الشيعة في قولهم بإباحة المتعة ما جاء في كتاب «وجاء دور المجوس» للدكتور الغريب، وهو غريب قوله:
«وما دمنا في صدد الحديث عن أكاذيب الرافضة «أي الشيعة» فمن المناسب أن نشير الى كتاب اسمه «المتعة من متطلبات العصر».. زعم الكاتب أن حجة أهل السنّة في تحريم المتعة رفض الفاروق عمر بن الخطاب لها، ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه المسمومة الى ثاني الخلفاء الراشدين، وأشرنا قبل صفحات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي حرم المتعة» (1).
أقول: يظهر من صاحب هذا الكتاب أنه طعن حتي في صحاح أهل السنَّة، ووجه إليهم الأكاذيب، كما أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إرجاع تحريم المتعة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقديما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كذب
____________
(1) عبدالله محمد الغريب: وجاء دور المجوس: 135.
عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، فهذا البخاري يروي في صحيحه وهو أصح الكتب بعد القرآن ـ على ما يقولون ـ عن عمران بن الحصين قوله: «نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها…». فهذا الحديث نص صريح على أن المتعة نزلت في كتاب الله، ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، ومن هنا يظهر أن التحريم لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما ذكر الدكتور الغريب.
كتب أهل السنة المصرحة بحِليَّة المتعة
1 ـ صحيح البخاري ورويات إباحة المتعة:
وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التفسير في باب قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، عن عمران بن الحصين أنه قال: «نزلت المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات، قال رجل برأيه ما شاء قال محمد (يعني البخاري) يقال عمر» (1).
أقول: هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه، وهو أصح الكتب بعد القرآن عند أهل السنّة، فقد نص بصريح العبارة التي لا تقبل التأويل على إباحة المتعة
____________
(1) صحيح البخاري: 3/71.
--
واستمرار هذه الإباحة إلى يوم القيامة، كما أن هذا الحديث نص على عدم نزول قرآن يحرمها، وأنه نص في عدم نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها حتى التحق بالرفيق الأعلى، كما أنه صريح أيضاً في أن المحرم لها هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن هذه الرواية يظهر افتراء وكذب صاحب كتاب «وجاء دور المجوس» في قوله عن مؤلف كتاب المتعة: «ولم يتوقف عند هذه الفرية بل وجه سهامه المسمومة الى ثاني الخلفاء الراشدين» وكان اللازم أن يوجه هذا الكلام الى شيخ الحديث البخاري الذي روى هذه الرواية، ولكن الحق مُرُّ على ألسنة المنحرفين عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخرج البخاري أيضاً في باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)، من كتاب التفسير عن اسماعيل عن قيس عن عبدالله ـ ابن مسعود ـ قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس معنا نساء، فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ عبدالله: (يا
أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)(1).
أقول: وهذا الحديث أيضاً نص في أن متعة النساء من الطيبات، ولا شيء من الطيبات بحرام إلى يوم القيامة، ولهذا لا يصح القول بأن المتعة بعد إباحتها حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى هذا فكل تأويل فيها غير مقبول ومردود، لأنه مناف لنصها، وعبدالله بن مسعود هو أحد القراء الأربعة الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتعلم القرآن منهم، فهو أعرف من الآخرين بمداليل الآيات ومفاهيمها، فهذا البخاري يحدثنا في صحيحه ص201 من جزئه الثاني في باب مناقب عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «استقرؤا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود…».
2 ـ صحيح الإمام مسلم وإباحة المتعة، وأن الناهي عنها الخليفة عمر رضي الله عنه:
وأما إمام الحديث عند أهل السنّة الإمام مسلم، فقد أخرج في صحيحه في باب نكاح المتعة عن
____________
(1) نفس المصدر: 74.
اسماعيل عن قيس قال: سمعت عبدالله يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبدالله، يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» (1).
وفي رواية أخرى كما في صحيح مسلم أيضاً عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله، فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانها عمر فلم نعد لهما» (2). وأخرج الإمام مسلم أيضاً «.. كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكر ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله،
____________
(1) صحيح مسلم: 4/130.
(2) نفس المصدر: 131.
وأبتوا (1) نكاح هذه النساء، فإن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة» (2).
وعن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجلك رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم» (3).
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عطاء أنه قال: «قدم جابر بن عبدالله معتمراً، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر» (4). وفي رواية جابر بن عبدالله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام علي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتي
____________
(1) بمعني أقطعوا.
(2) نفس المصدر: 38.
(3) نفس المصدر: 45 ـ 46.
(4) نفس المصدر: 131.
نهي عنه عمر في شأن عمرو بن حريث» (1).
أقول: هذا ما أخرجه إمام الحديث عند أهل السنَّة في صحيحه، من أن المتعة من الأمور التي وردت فيها النصوص الصريحة على إباحتها، وأن الصحابة فعلوها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وشطر من حياة عمر حتي نهاهم عمر رضي الله عنه في شأن ابن حريث، وأنها كانت من الطيبات، ولا يعقل أن يحرم الله سبحانه علي عباده ما أحله لهم من الطيبات، أو يمنع رحمته عنهم، ومن حيث إنه قد ثبت أن نكاح المتعة من الطيبات، وإنها رحمة من الله رحم بها عباده، علمنا أنها حلال الى يوم القيامة بمقتضى تلك النصوص الصريحة الدالة على إباحتها وعدم تحريمها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم… (ءالله أذن لكم أم على الله تفترون).
3 ـ مسند الإمام أحمد، ومآثر الأناقة للقلقشندي وإباحة المتعة:
روى الإمام أحمد إمام المذهب في مسنده عن
____________
(1) نفس المصدر: 131.
عمران بن الحصين قال: «نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى، وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات» (1).
وهذه الرواية نص صريح على عدم نزول آية او وجود رواية تدل من قريب أو بعيد على نسخ أو تحريم زواج المتعة، وما قيل في تحريمها لا يصار إليه لمخالفته لصريح القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة، ويؤيد ذلك ماجاء ايضاً عن الإمام أحمد عن أبي النضر أنه قال:
«قلت لجابر بن عبدالله إن ابن الزبير رضي الله عنه ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها، قال: فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عفان: ومع أبي بكر، فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى
____________
(1) الإمام أحمد: المسند: 4/436.
متعة النساء (1).
وعن عبدالملك عن عطاء عن جابر بن عبدالله قال: «كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتي نهانا عمر رضي الله عنه أخيراً يعني النساء» (2).
يقول القلقشندي في أوليات الخليفة عمر رضي الله عنه: «وهو أول من حرم المتعة بالنساء، وهي أن تنكح المرأة على شيء إلى أجل، وكانت مباحة قبل ذلك» (3). وهذا يدل دلالة واضحة عل أن زواج المتعة حتى خلافة عمر بن الخطاب كانت مباحة، فتحريمها تقول على الله سبحانه.
4 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي وإباحة المتعة:
وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن عمران بن الحصين أنه قال: «نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل
____________
(1) نفس المصدر: 1/52.
(2) نفس المصدر: 3/304.
(3) القلقشندي: مآثر الاناقة: 3/338.
بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمتعنا بها، ومات ولم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء» (1) يقول الفخر الرازي: «روى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي» (2). وأنت خبير بأن تحريم زواج المتعة لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعيه البعض.
يقول الفخر الرازي: «والقول الثاني: أن المراد بهذه الآية ـ آية المتعة ـ حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طول العزوبة، فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟…» (3) وهذا الاختلاف دليل
____________
(1) الفخر الرازي: التفسير الكبير: 101/49، 50.
(2) نفس المصدر: 50.
(3) نفس المصدر: 49.
على عدم نسخها، خصوصاً وأن آية المتعة نزلت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة في عمرته في السنوات الأخيرة من حياته، مع أن القائلين بالنسخ أو التحريم يستندون على آيات وروايات وردت قبل نزول آية المتعة، والمعروف الثابت لدى علماء الأصول أن الناسخ لا يمكن أن يتقدم على المنسوخ لعدم وجود حكم يكون موضوعاً للنسخ، ومن هنا يعلم بطلان ما قيل في نسخ الآية، مضافاً الى النصوص الصريحة الدالة على عدم النسخ، وأن الصحابة كانوا يعملون بها حتى زمان الخليفة عمر رضي الله عنه. ومما يدل على ذلك ما رواه الفخر الرازي أيضاً فهو يقول:
«روى عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد» (1). ولهذا روي «أن أبي بن كعب كان يقرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فآتوهن أجورهن. وهذا أيضاً هو قراءة ابن عباس،
____________
(1) نفس المصدر: 50.
والأمة ما أنكرت عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعاً من الأمة على صحة هذه القراءة..» (1).
يقول الفخر الرازي أيضاً: «الحجة الثانية على جواز نكاح المتعة، أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان حاجزاً في الإسلام، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه، إنما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما بالتواتر، أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر، كان علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وعمران بن الحصين، منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعاً، وإن كان ثابتاً بالآحاد فهذا ايضاً باطل، لأنه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالاجماع والتواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع، وإنه باطل، قالوا: ومما يدل أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ ان بعض الروايات تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر
____________
(1) نفس المصدر: 51.
الأهلية يوم خيبر، وأكثر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر، وذلك يدل على فساد ما روي أنه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر، لأن الناسخ يمتنع تقدمه على المنسوخ، وقول من يقول: إنه حصل التحليل مراراً والنسخ مراراً ضعيف، لم يقل به أحد من المعتبرين، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات» (1). وهذا المعنى سوف نشير إليه بأدلة صريحة رويت عن أهل السنّة، بأنه ما حلل شيء وحرم مرات متعددة كما حللت المتعة وحرمت مرات متعددة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العبث في الأحكام الشرعية من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا لا يمكن أن يصار إليه لامتناع العبث منه صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
الحجة الثالثة كما ذكرها الفخر الرازي في تفسيره الكبير: «ما روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) نفس المصدر: 52 ـ 53.
3
وأنا أنهى عنهما متعة الحج، ومتعة النكاح، وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح موجودة في عهد الرسول صلى الله علية وسلم ما نسخه، وإنما عمر هو الذي نسخه، وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتاً في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه عليه السلام ما نسخه، وأنه ليس هناك ناسخ لها إلا نسخ عمر، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخاً، لأن ما كان ثابتاً في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما نسخه الرسول يمتنع أن يصير منسوخاً بنسخ عمر، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال: «إن الله أنزل في المتعة آية، وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة، وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء، يريد أن عمر نهي عنها» (1).
أقول: وبعد كل هذا، يحاول الفخر الرازي، أن يثبت بأن المتعة وإن كانت مباحة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنها نسخت بعد ذلك، وهذه المحاولة لا تنهض دليلاً أمام النصوص الصريحة التي رواها
____________
(1) نفس المصدر: 52 ـ 53.
أصحاب الصحاح من أعلام أهل السنّة. والأدلة التي استدل بها أوهى من بيت العنكبوت، فراجع لتعلم صحة ذلك (1).
5 ـ روايات الطبري في تفسيره وإباحة المتعة:
روى الطبري في تفسيره عن محمد بن الحسين قال: «ثنا أسباط عن السدي، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى … فهذه المتعة» وعن مجاهد: «فما استمتعتم به منهن، قال: يعني نكاح المتعة» ويقول الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث قال: ثنا حبيب بن ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال هذا على قراءة أبيّ، قال أبو بكر، قال يحيى قرأت المصحف عند نصير فيه: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» (2). وعن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء،
____________
(1) نفس المصدر: 53.
(2) ابن جرير الطبري: جامع البيان ط2: 5/9.
قال: قلت بلى، قال: فما تقرأ فيها، فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى، قلت لا لو قرأتها هكذا ما سألتك، قال: فإنها كذا» (1).
وفي رواية شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، الى هذا الموضع، فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي، قال: لا، قال الحكم، وقال علي رضي الله عنه لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زني إلا شقي» (2). وعن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن» (3). وهذه القراءة التي كان يقرأ بها سعيد بن جبير وهو من التابعين لدليل واضح على عدم تحريمها.
____________